فصل: ذكر ابتداء الاختلاف بين الأمين والمأمون

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر ولاة الأمصار أيام الرشيد

ولاة المدينة إسحاق بن عيسى بن علي عبد الملك صالح بن علي محمد بن عبد الله موسى بن عيسى بن موسى إبراهيم بن محمد بن إبراهيم علي بن عيسى بن موسى محمد بن إبراهيم عبد الله ولاة مكة العباس بن محمد بن إبراهيم سليمان بن جعفر بن سليمان موسى بن عيسى بن موسى عبد الله بن محمد بن إبراهيم عبد الله بن قثم بن العباس عبيد الله بن قثم عبد الله بن محمد بن عمران عبيد الله بن محمد بن إبراهيم العباس بن موسى بن عيسى علي بن موسى بن عيسى محمد بن عبد الله العثماني حماد البربري سليمان بن جعفر بن سليمان الفضل بن العباس بن محمد أحمد بن إسماعيل بن علي‏.‏

ولاة الكوفة موسى بن عيسى بن موسى محمد بن إبراهيم عبيد الله بن محمد بن إبراهيم يعقوب بن أبي جعفر موسى بن عيسى بن موسى العباس بن عيسى بن موسى إسحاق بن الصباح الكندي موسى بن عيسى بن موسى العباس بن عيسى بن موسى موسى بن عيسى بن موسى جعفر بن أبي جعفر‏.‏

ولاة البصرة محمد بن سليمان بن علي سليمان بن أبي جعفر عيسى بن جعفر بن أبي جعفر خزيمة بن خازم عيسى بن جعفر جرير بن يزيد جعفر بن سليمان جعفر بن أبي جعفر عبد الصمد بن علي مالك بن علي الخزاعي إسحاق بن سليمان بن علي سليمان بن أبي جعفر عيسى بن جعفر الحسن بن جميل مولى أمير المؤمنين عيسى بن جعفر بن أبي جعفر جرير بن يزيد عبد الصمد بن علي إسحاق بن عيسى بن علي‏.‏

ولاة خراسان أبو العباس الطوسي جعفر بن محمد بن الأشعث العباس بن جعفر الغطريف بن عطاب سليمان بن راشد على الخراج حمزة بن مالك الفضل بن يحيى بن خالد منصور بن يزيد بن منصور جعفر بن يحيى وخليفته بها علي بن عيسى بن ماهان هرثمة بن أعين العباس بن جعفر للمأمون بها علي بن الحسن بن قحطبة‏.‏

  ذكر نسائه وأولاده

قيل‏:‏ تزوج زبيدة وهي أم جعفر بنت جعفر بن المنصور وأعرس بها سنة خمس وستين ومائة فولدت محمدًا الأمين وماتت سنة ست وعشرين ومائتين‏.‏

وتزوج أمه العزيز أم ولد الهادي فولدت له علي بن الرشيد‏.‏

وتزوج أم محمد بنت صالح المسكين‏.‏

وتزوج العباسة بنت سليمان بن المنصور‏.‏

وتزوج عزيزة ابنة خاله الغطريف‏.‏

وتزوج العثمانية وهيس ابنة عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عمروبن عثمان بن عفان وجدة أبيها فاطمة بنت الحسين بن علي‏.‏

ومات الرشيد عن أربع مهائر‏:‏ زبيدة وأم محمد بنت صالح وعباسة والعثمانية‏.‏

وكان قد ولد له من الذكور‏:‏ محمد الأمين من زبيدة وعبد الله المأمون لأم ولد اسمها مراجل والقاسم المؤتمن وأبوإسحاق محمد المعتصم وصالح وأبوعيسى محمد وأبويعقوب محمد وأبوالعباس محمد وأبو سليمان محمد وأبوعلي محمد وأبومحمد وهواسمه وأبوأحمد محمد كلهم لأمهات أولاد‏.‏

وله من البنات سكينة وأم حبيب وأروى وأم الحسن وأم محمد وهي حمدونة وفاطمة وأم أبيه أن وأم أبيه أن وأم سلمة وخديجة وأم القاسم ورملة وأم جعفر وأم علي والعالية وريطة كلهن لأمهات أولاد‏.‏

  ذكر بعض سيرته

قيل‏:‏ كان الرشيد يصلي كل يوم مائة ركعة إلى أن فارق الدني أن إلا من مرض وكان يتصدق من صلب ماله كل يوم بألف درهم بعد زكاته وكان إذا حج حج معه مائة من الفقهاء وأبنائهم فإذا لم يحج أحج ثلاثمائة رجل بالنفقة السابغة والكسوة الطاهرة‏.‏

وكان يطلب العمل بآثار المنصور إلا في بذل المال فإنه لم ير خليفة قبله كان أعطى منه للمال وكان لا يضيع عنده إحسان محسن ولا يؤخر ذلك‏.‏

وكان يحب الشعر الشعراء ويميل إلى أهل الأدب والفقه ويكره المراء في الدين وكان يحب المديح لا سيما من شاعر فصيح ويجزل العطاء عليه ولما مدحه مروان بن أبي حفصة بقصيدته التي منها‏:‏ وسدت بهارون الثغور فأحكمت به من أمور المسلمين المرائر أعطاه خمسة آلاف دينارن وخلعة وعشرة من الرقيق الرومي وبرذون من خاص مركبه‏.‏

وقيل‏:‏ كان مع الرشيد ابن أبي مريم المديني وكان مضحاكًا فكها يعرف أخبار أهل الحجاز وألقاب الأشراف ومكايد المجان فكان الرشيد لا يصبر عنه وأسكنه في قصره فجاء ذات ليلة وهو نائم فقام الرشيد إلى صلاة الفجر فكشف اللحاف عنه وقال‏:‏ كيف أصبحت فقال‏:‏ ما أصبحت بعد اذهب إلى عملك‏.‏

قال‏:‏ قم إلى الصلاة‏!‏ قال‏:‏ هذا وقت صلاة أبي الجارود وأنا من أصحاب أبي يوسف‏.‏

فمضى الرشيد يصلي وقام ابن أبي مريم وأتى الرشيد فرآه يقرأ في الصلاة‏:‏ ‏{‏وما لي لا أعبد الذي فطرني‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 22‏]‏‏.‏ فقال‏:‏ ما أدري والله‏!‏ فما تمالك الرشيد أن ضحك ثم قال له وهومغضب‏:‏ في الصلاة أيضًا‏!‏ قال‏:‏ وما صنعت قال‏:‏ قطعت علي صلاتي‏.‏

قال‏:‏ والله ما فعلت إمنا سمعت منك كلامًا غمني حين قلت‏:‏ ‏{‏وما لي لا أعبد الذي فطرني‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 22‏]‏‏.‏ فقلت‏:‏ لا أدري‏:‏ فعاد الرشيد فضحك ثم قال له‏:‏ إياك والقرآن والدين ولك ما شئت بعدهما‏.‏

وقيل‏:‏ استعمل يحيى بن خالد رجلًا على بعض أعمال الخراج فدخل على الرشيد يودعه وعنده يحيى وجعفر فقال لهما الرشيد‏:‏ أوصياه‏!‏ فقال يحيى‏:‏ وقر واعمر‏!‏ وقال جعفر‏:‏ أنصف وانتصف‏!‏ فقال الرشيد‏:‏ اعدل وأحسن‏.‏

وقيل‏:‏ حج الرشيد مرة فدخل الكعبة فرآه بعض الحجبة وهوواقف على أصابعه يقول‏:‏ يا من يملك حوائج السائلين ويعلم ضمير الصامتين فإن لكل مسأله منك ردًا حاضرا وجوابًا عتيدأن ولكل صامت منك علم محيط ناطق بمواعيدك الصادقة وأياديك الفاضلة ورحمتك الواسعة صل على محمد وعلى آل محمد واغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا يا من لا تضره الذنوب ولا تخفى عليه العيوب ولا تنقصه مغفرة الخطايأن يا من كبس الأرض على الماء وسد الهواء بالسماء واختار لنفسه أحسن الأسماء صل على محمد وعلى آل محمد وخر لي في جميع أموري يا من خشعت له الأصوات بأنواع اللغات يسألونه الحاجات إن من حاجتي إليك أن تغفر لي ذنوبي إذا توفيتني وصيرت في لحدي وتفرق عني أهلي وولدي اللهم لك الحمد حمدًا يفضل كل حمد كفضلك على جميع الخلق اللهم‏!‏ صل على محمد وعلى آل محمد صلاة تكون له رضى وصل عليه صلاة تكون له ذخرًا وأجزه عنا الجزاء لا أوفى اللهم‏:‏ أحينا سعداء وتوفنا شهداء واجعلنا سعداء مرزوقين ولا تجعلنا أشقياء مرجومين‏.‏

وقيل دخل ابن السماك على الرشيد فبيمنا هوعنده إذ طلب ماء فلما أراد شربه قال له ابن السماك‏:‏ مهلأن يا أمير المؤمنين بقرابتك من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لومنعت هذه الشربة بكم كنت تشتريها قال‏:‏ بنصف ملكي‏.‏

قال‏:‏ اشرب فلما شرب قال‏:‏ أسألك بقرابتك من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لومنعت خروجها من بدنك بماذا كنت تشتريها قال‏:‏ بجميع ملكي‏.‏

قال‏:‏ إن ملكًا لا يساوي شربة ماء وخروج بولة لجدير أن لا ينافس فيه‏!‏ فبكى الرشيد‏.‏

وقيل‏:‏ كان الفضيل بن عياض يقول‏:‏ ما من نفس أشد علي موتًا من هارون الرشيد ولوددت أن الله زاد من عمري في عمره فعظم ذلك على أصحابه فلما مات وظهرت الفتن وكان من المأمون ما حمل الناس عليه من القول بخلق القرآن قالوا‏:‏ الشيخ أعلم بما تكلم به‏.‏

وقال محمد بن منصور البغدادي‏:‏ لما حبس الرشيد أبا العتاهية جعل عليه عينًا يأتيه بما يقول‏:‏ فرآه يومًا قد كتب على الحائط‏:‏ أما والله إن الظلم لؤم وما زال المسيء هوالظلوم إلى ديان يوم الدين بمضي وعند الله تجتمع الخصوم فأخبر بذلك الرشيد فبكى وأحضره واستحله وأعطاه ألف دينار‏.‏

وقال الأصمعي‏:‏ صنع الرشيد يومًا طعامًا كثيرًا وزخرف مجالسه وأحضر أبا العتاهية فقال له‏:‏ صف لنا ما نحن فيه من نعيم هذه الدنيا فقال‏:‏ عش ما بدا لك سالمًا في ظل شاهقة القصور فقال‏:‏ أحسنت‏!‏ ثم قال‏:‏ ماذا فقال‏:‏ يسعى عليك بما اشتهي ت لدى الرواح وفي البكور فقال‏:‏ أحسنت‏!‏ ثم ماذا فقال‏:‏ فإذا النفوس تقعقعت في ظل حشرجة الصدور فهناك تعلم موقنًا ما كنت إلا في غرور فبكى الرشيد‏.‏

وقال الفضل بن يحيى‏:‏ بعث إليك أمير المؤمنين لتسره فحزنته‏.‏

فقال‏:‏ دعه فإنه خلافة الأمين وفي هذه السنة بويع الأمين بالخلافة في عسكر الرشيد صبيحة الليلة التي توفي فيها وكان المأمون حينئذ بمرو فكتب حمويه مولى المهدي صاحب البريد إلى نائبه ببغداد وهو سلام بن مسلم يعلمه بوفاة الرشيد فدخل أبو مسلم على الأمين فعزاهن وهنأه بالخلافة فكان أول الناس فعل ذلك‏.‏

وكتب صالح بن الرشيد إلى أخيه الأمين يخبره بوفاة الرشيد مع رجاء الخادم وأرسل معه الخاتم والقضيب والبردة فلما وصل رجاء انتقل الأمين من قصره بالخلد إلى قصر الخلافة وصلى بالناس الجمعة ثم صعد المنبر فنعى الرشيد وعزى نفسه والناس ووعدهم الخير وأمن الأبيض والأسود وفرق في الجند الذين ببغداد رزق أربعة وعشرين شهرا ودعا إلى البيعة فبايعه جلة أهل بيته وكل عم ابنه وأمر سليمان بن المنصور بأخذ البيعة على القواد وغيرهم وأمر السندي أيضًا بمبايعة من عداهم‏.‏

  ذكر ابتداء الاختلاف بين الأمين والمأمون

في هذه السنة ابتدأ الاختلاف بين الأمين والمأمون ابني الرشيد‏.‏

وكان سبب ذلك أن الرشيد لما سار إلى خراسان وأخذ البيعة للمأمون على جميع من في عسكره من القواد وغيرهم وأقر له بجميع ما معه من الأموال وغيرها على ما سبق ذكره عظم على الأمين ذلك ثم بلغه شدة مرض الرشيد فأرسل بكر بن المعتمر وكتب معه كتبا وجعلها في قوائم صناديق المطبخ وكانت منقورة وألبسها جلود البقر وقال‏:‏ لا تظهرن أمير المؤمنين ولا غيره على ذلك ولوقتلت فإذا مات فادفع إلى كل إنسان منهم ما معك‏.‏

فلما قدم بكر بن المعتمر طوس بلغ هارون قدومه فدعا به وسأله عن سبب قدومه فقال‏:‏ بعثني الأمين لآتيه بخبرك قال‏:‏ فهل معك كتاب قال‏:‏ لا فأمر بما معه ففتش فلم يصيبوا شيئا فأمر به فضرب فلم يقر بشيء فحبسه وقيده ثم أمر الفضل بن الربيع بتقريره فإن أقر وإلا ضرب عنقه فقرره فلم يقر بشيء ثم غشي على الرشيد فصاح النساء فأمسك الفضل على قتله وحضر عند الرشيد فأفاق وهوضعيف قد شغل عن بكر وغيره ثم مات‏.‏

وكان بكر قد كتب إلى الفضل يسأله أن لا يعجل في أمره بشيء فإن عنده أشياء يحتاج إلى عمله أن فأحضره الفضل وأعلمه بموت الرشيد وسأله عما عنده فخاف أن يكون الرشيد حيا فلما تيقن موته أخرج الكتب التي معه وهي كتاب إلى أخيه المأمون يأمره بترك الجزع وأخذ البيعة على الناس لهما ولأخيهما المؤتمن ولم يكن المأمون حاضرا كان بمرو وكتاب إلى

أخيه صالح يأمره بتسيير العسكر وأصحاب ما فيه وأن يتصرف هوومن معه برأي الفضل وكتاب إلى الفضل يأمره بالحفظ ولا احتياط على ما معه من الحرم والأموال وغير ذلك وأقر كل من كان له عمل على عمله كصاحب الشرطة والحرس والحجابة‏.‏

فلما قرأوا الكتب تشاوروا هم والقواد في اللحاق بالأمين فقال الفضل بن الربيع‏:‏ لا أدع ملكًا حاضرًا لآخر ما أدري ما يكون من أمره‏.‏

وأمر الناس بالرحيل فرحلوا محبة منهم لأهلهم ووطنهم وتركوا العهود التي كانت أخذت عليهم للمأمون‏.‏

فلما بلغ المأمون ذلك جمع من عنده من قواد أبيه وهم‏:‏ عبد الله بن مالك ويحيى بن معاذ وشبيب بن حميد بن قحطبة والعلاء مولى هارون وهو على حجابته والعباس بن المسيب بن زهير وهوعلى شرطته وأيوب بن أبي سمير وهوعلى كتابته وعبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح وذو الرياستين وهو أعظمهم عنده قدر أن وأخصهم به واستشارهم فأشاروا أن يلحقهم في ألفي فارس جريدة فيردهم فخلا به ذو الرياستين وقال‏:‏ إن فعلت ما أشار به هؤلاء جعلوك هدية إلى أخيك ولكن الرأي أن تكتب إليهم كتابًا وتوجه رسولًا يذكرهم البيعة ويسألهم الوفاء ويحذرهم الحنث وما فيه دنيا وآخرة‏.‏

ففعل ذلك ووجه سهل بن صاعد ونوفلًا الخادم ومعهما كتاب فلحقا الجند والفضل بنيسابور فأوصلا إلى الفضل كتابه فقال‏:‏ إمنا أنا واحد من الجند وشد عبد الرحمن بن جبلة الأنباري على سهل بالرمح ليطعنه فأمره على جنبه وقال له‏:‏ قل لصاحبك‏:‏ لوكنت حاضرًا لوضعته في فيك‏.‏ وسب المأمون‏.‏ فرجعا إليه بالخبر فقال ذوالرياستين‏:‏ أعداء استرحت منعهم ولكن أفهم عني أن هذه الدولة لم تكن قط أعز منها أيام المنصور‏.‏

فخرج عليه المقنع وهويدعي الربوبية وقيل طلب بدم أبي مسلم فضعضع العسكر بخروجه بخراسان وخرج بعده يوسف البرم وهوعند المسلمين كافر فتضعضعوا أيضًا له فأخبرني أنت أيها الأمير كيف رأيت الناس عندما ورد عليهم خبر رافع قال‏:‏ رأيتهم اضطربوا اضطرابًا شديدًا‏.‏

قال‏:‏ فكيف بك وأنت نازل في أخوالك وبيعتك في أعناقهم كيف يكون اضطراب أهل بغداد اصبر وأنا أضمن لك الخلافة‏.‏

قال المأمون‏:‏ قد فعلت وجعلت الأمر إليك فقم به‏.‏

قال ذو الرياستين‏:‏ والله لأصدقنك إن عبد الله بن مالك ومن معه من القواد إن قاموا لك بالأمر كانوا أنفع مني برياستهم المشهورة وبما عندهم من القوة على الحرب فمن قام بالأمر كنت خادمًا له حتى تبلغ أملك وترى رأيك‏.‏

وقام ذو الرياستين وأتاهم في منازلهم وذكرهم ما يجب عليهم من الوفاء قال‏:‏ فكأني جئتهم بجيفة على طبق‏.‏

فقال بعضهم‏:‏ هذا لا يحل اخرج‏!‏ وقال بعضهم‏:‏ من الذي يدخل بين أمير المؤمنين وأخيه فجئت وأخبرته فقال‏:‏ قم بالأمر‏!‏ قال‏:‏ قلت له‏:‏ قرأت القرآن وسمعت الأحاديث وتفقهت في الدين فأرى أن تبعث إلى من بحضرتك من الفقهاء فتدعوهم إلى الحق والعمل به وإحياء السنة وتقعد على الصوف وترد المظالم‏.‏

ففعل ذلك جميعه وأكرمه القواد والملوك وأبناء الملوك وكان يقول للتميمي‏:‏ نقيمك مقام موسى بن كعب وللربعي‏:‏ نقيمك مقام أبي داود وخالد بن إبراهيم ولليماني‏:‏ نقيمك مقام قحطبة ومالك بن الهيثم وكل هؤلاء نقباء الدولة العباسية‏.‏

ووضع عن خراسان ربع الخراج فحسن ذلك عند أهلها وقالوا‏:‏ ابن أختنا وابن عم نبينان وأما الأمين فلما سكن الناس ببغداد أمر ببناء ميدان حول قصر المنصور بعد بيعته بيوم للوالجة واللعب فقال شاعرهم‏:‏ بنى أمين الله ميدانًا وصير الساحة بستانًا وكانت الغزلان فيه بانًا يهدي إليه فيه غزلانا وأقام المأمون يتولى ما كان بيده من خراسان والري وأهدى إلى الأمين وكتب إليه وعظمه‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة دخل هرثمة بن أعين حائط سمرقند فأرسل رافع بن الليث إلى الترك فأتوه وصار هرثمة بين رافع والترك ثم إن الترك انصرفوا فضعف رافع‏.‏

وفيها قدمت زبيدة امرأة الرشيد من الرقة إلى بغداد فلقيها ابنها الأمين بالأنبار ومعه جمع من بغداد من الوجوه وكان معه أخوه ابن الرشيد‏.‏

وفيها قتل نقفور ملك الروم في حرب برجان وكان ملك سبع سنين وملك بعده ابنه استبراق وكان مجروحا فبقي شهرين ومات فملك بعده ميخائيل بن جورجس ختنه على أخته‏.‏

وفيها عزل الأمين أخاه القاسم المؤتمن عن الجزيرة وأقره على قنسرين والعواصم واستعمل على الجزيرة خزيمة بن خازم‏.‏

وحج بالناس هذه السنة داود بن عيسى بن موسى بن محمد وهوأمير مكة‏.‏

وفيها توفي صقلاب بن زياد الأندلسي وهومن أصحاب مالك وكان فقيهًا زاهدًا‏.‏

وفي هذه السنة مات مروان بن معاوية الفزازي وقيل سنة أربع وتسعين ومائة في ذي الحجة‏.‏

وفيها توفي إسماعيل بن علية وأبوبكر بن عياش وله ست وتسعون سنة عياش بالياء المثناة من تحت والشين المعجمة‏.‏

  ذكر خلاف أهل حمص على الأمين

في هذه السنة خالف أهل حمص على الأمين وعلى عامهم إسحاق بن سليمان فانتقل عنهم إلى سلمية فعزله الأمين واستعمل مكانه عبد الله بن سعيد الحرشي فقتل عدة من وجوههم وحبس عدة وألقى النار في نواحيها فسألوا الأمان فأجابهم ثم هاجوا بعد ذلك فقتل عدة منهم‏.‏

  ذكر ظهور الخلاف بين الأمين والمأمون

وفي هذه السنة أمر الأمين بالدعاء على المنابر لابنه موسى‏.‏وكان السبب في ذلك أن الفضل بن الربيع لما قدم العراق من طوس ونكث عهد المأمون أفكر في أمره وعلم أن المأمون إن أفضت إليه الخلافة وهوحي لم يبق عليه فسعى في إغراء الأمين وحثه على خلع المأمون والبيعة لابنه موسى بولاية العهد ولم يكن ذلك في عزم محمد الأمين فلم يزل الفضل يصغر عنده أمر المأمون ويزين له خلعه وقال له‏:‏ ما تنتظر بعبد الله والقاسم فإن البيعة كانت لك قبلهما وإمنا أدخلا فيها بعدك‏.‏

ووافقه على هذا علي بن عيسى بن ماهان والسندي وغيرهما فرجع الأمين إلى قولهم‏.‏

ثم إنه أحضر عبد الله بن خازم فلم يزل في مناظرته حتى انقضى الليل وكان مما قال عبد الله‏:‏ أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن تكون أول الخلفاء نكث عهدهن ونقض ميثاقه ورد رأي الخليفة قبله فقال‏:‏ اسكت‏!‏ فعبد الملك كان أفضل منك رأيا وأكمل نظرا يقول‏:‏ لا يجتمع فحلان في أجمة‏.‏

ثم جمع القواد عليهم خلع المأمون فأبوا ذلك وربما ساعده قوم حتى بلغ إلى خزيمة بن خازم فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ لم ينصحك من كذبك ولم يغشك من صدقك لا تجرئ القواد على الخلع فيخلعوك ولا تحملهم على نكث العهد فينكثوا عهدك وبيعتك فإن الغادر مخذول والناكث مغلول‏.‏

فأقبل الأمين على علي بن عيسى بن ماهان فتبسم وقال‏:‏ لكن شيخ الدعوة ونائب هذه الدولة لا يخالف على إمامه ولا يوهن طاعته‏.‏

ثم رفعه إلى موضع لم يرفعه إليه قبلها لأنه كان هووالفضل بن الربيع يعينانه على الخلع ولج الأمين في خلع المأمون حتى إنه قال يومًا للفضل بن الربيع‏:‏ يا فضل‏!‏ أحياة مع عبد الله لا بد من خلعه والفضل يعده وهويقول‏:‏ فمتى ذلك إذا غلب خراسان وما فيها فأول ما فعله أن كتب إلى جميع العمال بالدعاء لابنه موسى بالإمرة بعد الدعاء للمأمون وللمؤتمن‏.‏

فلما بلغ ذلك المأمون مع عزل المؤتمن عما كان بيده أسقط اسم الأمين من الطراز وقطع البريد عنه‏.‏

وكان رافع بن الليث بن نصر بن سيار لما بلغه حسن سيرة المأمون طلب الأمان فأجابه إلى ذلك فحضر عند المأمون وأقام هرثمة بسمرقند ومعه طاهر بن الحسين ثم قدم هرثمة على المأمون فأكرمه وولاه الحرس فأنكر ذلك كله الأمين فكان مما وتر عليه أن كتب إلى العباس بن عبد الله بن مالك وهوعامل المأمون على الري يأمره أن ينفذ بغرائب غروس الري يريد امتحانه فبعث إليه بما أمره وكتم ذلك عن المأمون وذي الرياستين فبلغ المأمون فعزله بالحسن بن علي المأموني‏.‏

ثم وجه الأمين إلى المأمون أربعة أنفس وهم‏:‏ العباس بن موسى بن عيسى بن محمد بن علي وعيسى بن جعفر بن المنصور وصالح صاحب المصلى ومحمد بن عيسى بن نهيك ويطلب إليه أن يقدم ابنه موسى على نفسه ويحضر عنده فقد استوحش لبعده فبلغ الخبر المأمون فكتب إلى عماله بالري ونيسابور وغيرهما يأمرهم بإظهار العدة والقوة ففعلوا ذلك وقدم الرسل على المأمون وأبلغوه الرسالة وكان ابن ماهان أشار بذلك وأخبر الأمين أن أهل خراسان معه‏.‏

فلما سمع المأمون هذه الرسالة استشار الفضل بن سهل فقال له‏:‏ أحضر هشامًا والد علي وأحمد ابني هشام واستشره فأحضره واستشاره فقال له‏:‏ إمنا أخذت البيعة علينا على أن لا تخرج من خراسان فمتى فعل محمد ذلك فلا بيعة له في اعناقنا والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ومتى هممت بالمسير إليه تعلقت بك بيميني فإذا قطعت تعلقت بيساري فإذا قطعت تعلقت بلساني فإذا ضربت عنقي كنت أديت ما علي‏.‏

فقوي عزم المأمون على الامتناع فأحضر العباس وأعلمه أنه لا يحضر وأنه لا يقدم موسى على نفسه فقال العباس بن موسى‏:‏ ما عليك أيها الامير من ذلك فهذا جدي عيسى بن موسى قد خلع فما ضره فصاح به ذوالرياستين‏:‏ اسكت‏!‏ إن جدك كان أسيرًا في أيديهم وهذا بين أخواله وشيعته‏.‏

ثم قاموا فخلا ذوالرياستين بالعباس بن موسى واستماله ووعده إمرة الموسم ومواضع من مصر فأجاب إلى بيعه المأمون وسمي المأمون ذلك الوقت بالإمام فكان العباس يكتب إليهم بالاخبار من بغداد‏.‏

ورجع الرسل إلى الامين فأخبروه بامتناع المأمون وألح الفضل وعلي بن عيسى على الأمين في خلع المأمون والبيعة لابنه موسى بن الأمين وكان الأمين قد كتب إلى المأمون يطلب منه أن ينزل عن بعض كور خراسان وأن يكون له عنده صاحب البريد يكاتبه بالأخبار

فاستشار المأمون خواصه وقواده فأشاروا باحتمال هذا الشر والإجابة إليه خوفًا من شر هون أعظم منه‏.‏

فقال لهم الحسن بن سهل‏:‏ أتعلمون أن الأمين طلب ما ليس له قالوا‏:‏ نعم‏!‏ ويحتمل ذلك لضرر منعه قال‏:‏ فهل تثقون بكفه بعد إجابته فلا يطلب غيرها قالوا‏:‏ لا‏!‏ قال‏:‏ فإن طلب غيرها فما ترون قالوا‏:‏ مننعه فهذا خلاف ما سمعناه من قول الحكماء قال‏:‏ استصلح عاقبة أمرك باحتمال ما عرض من مكروهه في يومك ولا تلتمس هدنة يومك بإخطار أدخلته على نفسك في غدك‏.‏

فقال المأمون لذي الرياستين‏:‏ ما تقول أنت فقال‏:‏ أسعدك الله هل تؤمن أن يكون الأمين طالبك بفضل قوتك ليستظهر بها عليك بل إمنا أشار الحكماء بحمل ثقل ترجون به صلاح العاقبة‏.‏

فقال المأمون‏:‏ بأيثار دعة الاجل صار إلى فساد العاقبة في دنياه وآخرته فامتنع المأمون من إجابته إلى ما طلب وأنفذ المأمون ثقته إلى الحد فلا يمكن أحدًا من العبور إلى بلاده إلا مع ثقة من ناحيته فحضر أهل خراسان أن يستمالوا برغبة أورهبة وضبط الطرق بثقات أصحابه فلم يمكنوا من دخول خراسان إلا من عرفوه وأتى بجواز أوكان تاجرًا معروفا وفتشت الكتب‏.‏

وقيل‏:‏ لما اراد الأمين أن يكتب إلى المأمون يطلب بعض كور خراسان قال له إسماعيل بن صبيح‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ إن هذا مما يقوي التهمة وينبه على الحذر ولكن أكتب إليه فأعلمه حاجتك وما تحب من قربه والاستعانة به على ما ولاك الله وتسأله القدوم عليك لترجع إلى رأيه فيما تفعل‏.‏

فكتب إليه بذلك وسير الكتاب مع نفر وأمرهم أن يبلغوا الجهد في إحضاره وسير معهم الهدايا الكثيرة فلما حضر الرسل عنده وقرأ الكتاب أشاروا عليه بإجابة الأمين وأعلموه ما في إجابته من المصلحة العامة والخاصة فأحضر ذا الرياستين وأقرأه الكتاب واستشاره فأشار عليه بملازمة خراسان وخوفه من القرب من الأمين فقال‏:‏ لا يمكنني مخالفته وأكثر القواد والاموال معه والناس مائلون إلى الدرهم والدينار لا يرغبون في حفظ عهد ولا أمانة ولست في قوة حتى أمتنع وقد فارق جيغويه الطاعة والتوى خاقان ملك التبت وملك الكابل قد استعد للغارة على ما يليه وملك اتردبنده قد منع الضريبة ومالي بواحد من هذه الأمور بد ولا أرى إلا تخلية ما أنا فيه واللحاق بخاقان ملك الترك والاستجارة به لعليّ آمن على نفسي‏.‏

فقال ذو الرياستين‏:‏ إن عاقبة الغدر شديدة وتبعة البغي غير مأمونة ورب مقهور قد عاد قاهرا وليس النصر بالكثرة والقلة والموت أيسر من الذل والضيم وما أرى أن تصير إلى أخيك

متجردًا من قوادك وجندك كالرأس الذي فارق بدنه فتكون عنده كبعض رعيته يجري عليك حكمه من غير أن تبلي عذرًا في قتال واكتب إلى جيغويه وخاقان فولهما بلادهما وابعث إلى ملك كابل ببعض هدايا خراسان ووادعه واترك لملك اترابنده ضريبته ثم اجمع أطرافك وضم جندك وأضرب الخيل بالخيل والرجال بالرجال فإن ظفرت وإلا لحقت بخاقان‏.‏

فعرف المأمون صدقه ففعل ما أشار به فرضي أولئك الملوك العصاة وضم جنده وجمعهم عنده وكتب إلى الأمين‏:‏ أما بعد فقد وصل إليّ كتاب أمير المؤمنين وإمنا أنا عامل من عماله وعون من أعوانه أمرني الرشيد بلزوم هذا الثغر ومكايدة من كايد أهله من عدوأمير المؤمنين ولعمري إن مقامي به أرد على أمير المؤمنين أعظم غناء عنه المسلمين من الشخوص إلى أمير المؤمنين فإن كنت مغتبطًا بقربه مسرورًا بمشاهدة نعمة الله عنده فإن رأى أمير المؤمنين أن يقرني على عملي ويعفيني من الشخوص إليه فعل إن شاء الله‏.‏

والسلام‏.‏

فلما قرأ الأمين كتاب المأمون علم أنه لا يتابعه على ما يريده فكتب إليه يسأله أن ينزل عن بعض كور خراسان كما تقدم ذكره فلما امتنع المأمون أيضًا من إجابته إلى ما طلب أرسل جمعًا ليناظروه في منع ما طلب منه فلما وصلوا إلى الري منعوا ووجدوا تدبيره محكما وحفظوا في حال سفرهم وإقامتهم من أن يخبروا ويستخبروا وكانوا معدين لوضع الأخبار في

وقيل إن الأمين لما عزم على خلع المأمون وزين له ذلك الفضل وابن ماهان دعا يحيى بن سليم وشاوره في ذلك فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ كيف تفعل ذلك مع ما قد أكد الرشيد من بيعته وأخذ الشرائط والأيمان في الكتاب الذي كتبه فقال الأمين‏:‏ إن رأي الرشيد كان فلتةً شبهها عليه جعفر بن يحيى فلا ينفعنا ما نحن فيه إلا بخلعه وقلعه واحتشاشه‏.‏

فقال يحيى‏:‏ إذا كان رأي أمير المؤمنين خلعه فلا تجاهره فيستنكر الناس ذلك ولكن تستدعي الجند بعد الجند والقائد بعد القائد وتؤنسهما بالألطاف والهدايا وتفرق ثقاته ومن معه وترغبهم بالأموال فإذا وهنت قوته واستفرغت رجاله أمرته بالقدوم عليك فإن قدم صار إلى الذي تريد منه وإن أبى كنت قد تناولته وقد كل حده وانقطع عزه‏.‏فقال الأمين‏:‏ أنت مهذار خطيب ولست بذي رأي مصيب قم فالحق بمدادك وأقلامك‏.‏

وكان ذو الرياستين الفضل بن سهل قد اتخذ قومًا يثق بهم ببغداد يكاتبونه بالاخبار وكان الفضل بن الربيع قد حفظ الطرق وكان أحد أولئك النفر إذا كاتب ذا الرياستين بما تجدد ببغداد سير الكتاب مع امرأة وجعله في عود اكفاف وتسير كالمجتازة من قرية إلى قرية فلما ألح الفضل بن الربيع في خلع المأمون أجابه الأمين إلى ذلك وبايع لولده موسى في صفر وقيل في ربيع الأول سنة خمس وتسعين ومائة على ما نذكره إن شاء الله تعالى وسماه الناطق بالحق ونهى عن

ذكر المأمون والمؤتمن على المنابر وأرسل إلى الكعبة بعض الحجبة فأتاه بالكتابين اللذين وضعهما الرشيد في الكعبة بيعة الأمين والمأمون فأحضرهما عنده فمزقهما الفضل‏.‏

فلما أتت الأخبار إلى المأمون بذلك قال لذي الرياستين‏:‏ هذه أمور أخبر الرأي عنها وكفانا أن نكون مع الحق‏.‏

فكان أول ما دبره ذو الرياستين حين بلغه ترك الدعاء للمأمون وصح عنده أن جمع الأجناد الذين كان اتخذهم بجنبات الري مع الاجناد الذين كانوا بها وأمدهم بالأقوات وغيرها وكانت البلاد عندهم قد أجدبت فأكثر عندهم ما يريدونه حتى صاروا في أرغد عيش وأقاموا بالحد لا يتجاوزونه ثم أرسل إليهم طاهر بن الحسين بن مصعب بن زريق بن أسعد أبا العباس الخزاعي أميرًا فيمن من قواده وأجناده فسار مجدًا حتى ورد الري فنزلها فوضع المسالح والمواصل فقال بعض شعراء خراسان‏:‏ رمى أهل العراق ومن عليها إمام العدل والملك الرشيد بأحزم من نشا رأيًا وحزمًا وكيدًا نافذًا مما يكيد بداهية تأدى خنفقيق يشيب لهول صولتها الوليد فأما الأمين فإنه وجه عصمة بن حماد بن سالم إلى همذان في ألف رجل وأمره أن يوجه مقدمته إلى ساوة ويقيم بهمذان وجعل الفضل بن الربيع وعلي بن عيسى يبعثان الأمين ويغريانه بحرب المأمون‏.‏

ولما بايع الأمين لولده موسى جعله في حجر علي بن عيسى وجعل على شرطه محمد بن عيسى بن نهيك وعلى حرسه عثمان بن عيسى بن نهيك وعلى رسائله علي بن صالح صاحب المصلى‏.‏